كفى صمتًا على الإهمال الطبي…. بقلم./د.صباح الحكيم

بقلم./د.صباح الحكيم
. إلى متى سنموت في صمت داخل مستشفيات “التجارة”؟!
لم تكن وفاة طالبة الهندسة الأخيرة إلا واحدة من عشرات القصص المؤلمة التي تحدث خلف جدران المستشفيات الخاصة، والتي أصبحت بؤرًا للإهمال الطبي الفادح، والمتاجرة بأرواح الناس دون أدنى رحمة أو رقابة حقيقية. فتاة في عمر الزهور، حلمها لم يكن أكثر من مستقبل محترم يخدم وطنها… لكن يد الإهمال كانت أسرع من يد الرحمة، وكانت روحها ثمناً لغياب الضمير.
أي عدالة في أن يُترك مريض يتألم، يُشخَّص بالخطأ، يُعطى دواءً قاتلاً، أو يُرفض إدخاله غرفة العناية المركزة لأن أسرته لا تملك آلاف الجنيهات “كاش”؟! عن أي إنسانية نتحدث، والمستشفيات الخاصة اليوم أصبحت تجارة تفوق تجارة المخدرات ربحًا واستغلالًا؟
الأسعار خيالية، الخدمات متواضعة، والمحاسبة معدومة. كل مستشفى يحدد التسعيرة التي تناسب “مزاج” الإدارة: كشف بآلاف الجنيهات تحاليل بآلاف، وعلاج يبدأ من سعر ولا ينتهي… و”على الله” تكون النتيجة فيها حياة أو موت!
هل يعقل أن تصبح حياة المصري رهينة رقم في دفتر حسابات صاحب المستشفى؟ هل من المقبول أن يتسول الفقير حقه في العلاج، بينما نغرق في شعارات “سياحة علاجية”؟ أي سياحة؟ وسياحتنا الداخلية مريضة تحت أجهزة تنفس فاسدة، وأطباء بلا ضمير، ومنظومة بلا رقابة؟!
لقد طفح الكيل. لا نطالب بالمستحيل، بل بأبسط حقوقنا كآدميين. نطالب بتدخل حاسم من الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيًا لوضع حد لهذه المأساة المتكررة. نحتاج إلى تسعيرة موحدة للخدمة الطبية، رقابة صارمة، ومحاسبة علنية لكل من يستهين بحياة الناس.
نطالب بإعادة تقييم شامل للقطاع الطبي الخاص، وخاصة مستشفيات الأورام التي تحولت – كما حدث في مستشفى هرمل – إلى مسالخ للمرضى بدلًا من أن تكون مراكز للرحمة.
نناشد كل مسؤول أن يتوقف عن المجاملات، عن البروتوكولات، عن الزيارات الاستعراضية… لأن الوجع لا تراه الكاميرات، ولا يلتقطه فلاش التصوير. الوجع نراه في عيون أم فقدت ابنتها على سرير إهمال، وأب حمل جثمان ابنه بدلاً من أن يحتفل بتخرجه.
يكفي موتًا بصمت. كفى تجاهلًا لصرخات الناس. نحن لا نطلب ترفًا، نطلب حياة.