مقالات

ثورة في علاج القلب.. عندما تُبدّل صمامات الحياة دون مشرط

بقلم: د. طارق رشيد – استشاري أمراض القلب والقسطرة التداخلية

بقلم: د. طارق رشيد – استشاري أمراض القلب و القسطرة التداخلية

لطالما ارتبطت أمراض صمامات القلب في أذهان المرضى بمشاهد غرف العمليات، والتخدير الكلي، وفتح الصدر، ومخاطر ما بعد الجراحة. كان استبدال الصمام الأورطي تحديدًا كابوسًا يواجهه الأطباء والمرضى على حد سواء، خاصة عندما يتعلّق الأمر بكبار السن، أو أولئك الذين لا تحتمل أجسادهم التعب.

 

لكن المشهد تغيّر. نحن اليوم أمام نقلة طبية ثورية تُغيّر مفاهيم العلاج بالكامل. نحن لا نتحدث فقط عن “بديل للجراحة”، بل عن فكر جديد في علاج القلب: علاج دقيق، آمن، سريع، وبلا مشرط جراحي.

 

تقنية تُعرف باسم TAVI – وهي اختصار لـ Transcatheter Aortic Valve Implantation – أصبحت حديث الأوساط الطبية في العالم. تخيل أن صمام القلب يمكن تغييره عبر قسطرة تدخل من شريان الفخذ، دون أن يُفتح الصدر، ودون أن يتوقف القلب عن النبض. مجرد تخدير موضعي، وقلب جديد ينبض بالحياة.

 

هذه التقنية لم تعد حكرًا على مراكز القلب الكبرى في أوروبا أو أمريكا. بل أصبحنا ننفذها في مصر، وبكفاءة تضاهي العالمية، وفي مستشفيات متخصصة باستخدام تجهيزات متطورة.

 

ليس كل مريض قادر على تحمل جراحة القلب المفتوح. هناك من تخطوا السبعين والثمانين، وهناك من يعاني من قصور كلوي أو ضعف عضلة القلب. هؤلاء كانوا يُصنَّفون “خارج نطاق الحل”، حتى جاء الـTAVI.

 

أتذكّر أول حالة أجريناها لمريض في أواخر السبعينيات، كان يعاني من ضيق شديد في الصمام الأورطي، لا يتحرك إلا بصعوبة، ويعاني من اختناق مستمر. بعد ساعة من إدخال القسطرة، كان يتحدث معنا ويبتسم وهو في سريره. بعد أقل من يومين، خرج من المستشفى إلى بيته.. إلى حياته.

 

أن تُطبّق هذه التقنية في مصر، ليس مجرد تقدم طبي، بل حق يُعاد للمريض المصري؛ أن يحصل على أحدث علاج في العالم دون أن يغادر بلده، ودون أن يتحمّل مشقة أو خطورة.

 

إلى جانب استبدال الصمامات، يشهد علاج انسداد الشرايين التاجية المزمن (CTO) طفرة كبيرة باستخدام تقنيات متقدمة في القسطرة التداخلية. في السابق، كانت حالات الانسداد الكامل المزمن تُصنّف ضمن “المستحيل” أو تتطلب جراحات شديدة الخطورة، أما اليوم فأصبح من الممكن الوصول إلى مناطق كانت مغلقة تمامًا في الشرايين، باستخدام أسلاك دقيقة وأجهزة موجهة بدقة عالية، وفتح الشريان المتصلّب بدون فتح صدر أو توقف قلب. هذه الإجراءات أصبحت تنقذ حياة مرضى كانوا محكومًا عليهم بالأعراض المزمنة أو القصور القلبي، وتمنحهم فرصة لحياة طبيعية.

 

في القلب أربعة صمامات، لكن الأمل صمام الحياة الأهم.

ومع كل مريض ننجح في إنقاذه دون جراحة، أو نفتح له شريانًا ظن الأطباء أنه انتهى، نؤكد أن مصر قادرة، وأن مستقبل الطب ليس في الخيال، بل في أيدي أطبائنا.. وفي قلوب مرضانا التي نُعيد لها النبض من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى